أخبار عاجلهتقاريرمقالات

دكتورة شيماء السامرائي تكتب من التراث العراقي… الفرارية

خطبة ومشايا ( الرجال القادمون من اجل خطبة فتاة)

وهلاهل (زغاريد) وشموع وياس
وفجأة يطوق الشارع قوات عسكرية تأخذ العريس من وسط الخطبة وتضحك جدتي وتقول
سبع اسنين احبك صار عادالي طيار تاليها بالتعداد وتطلعي افرار ( سبع سنوات احبك وانا افتكرتك طيار وفي طابور الصبح اكتشف انك هارب من الجيش) وأخذت جدتي تضحك العريس طلع افرار بيبي شنو افرار أو افراري

الفرارية:
كلمة كثيرا ما كنا نسمعها تتردد ايام كان التجنيد اجباريا في العهود السابقة ولغاية 2003 ،وتهرب الناس من التجنيد الاجباري نتيجة لسوقهم في حروب ويقول عالم الاجتماع الدكتور علي الوردي في دراسته للمجتمع العراقي :
يقال انه كان الشعب العراقي من اشد الشعوب بغضا للتجنيد الاجباري وقد حدثت عدة ثورات في العراق احتجاجا على التجنيد عند تطبيقه منذ منتصف القرن التاسع عشر ، حيث كانت قد مرت على العراقيين تجربة مريرة في التجنيد في عام 1877 حين سيق عشرة الاف مجند منهم الى قفقاسيا فهلك اكثرهم من شدة البرد والجوع ، ومن هنا نشأت النوحية المشهورة في العراق ( اويلاخ يادگة الغربية ) ، ثم جاءت عام 1904 تجربة مريرة اخرى حين هلك الاف المجندين العراقيين في صحراء نجد وهي الكارثة التي اشتهرت في العراق باسم ( دگة ابن رشيد ) ، وعندما اعلن النفير العام في عام 1914 ، عند بداية الحرب العالمية الاولى ادرك الناس ان) دگة غربية) جديدة ستحل بهم مرة اخرى ، فكان النواح يسمع في كل بيت يعلن ان له مجند ، ولا يكاد مختار المحلة يطرق الباب على بيت يدعوا احدا فيه الى التجنيد حتى يرتفع صوت العويل فيه وصراخ النساء .
والواقع ان دگة الغربية في عام 1914 لم تكن تقل في كثرة ضحاياها عن الدگتين السابقتين ، فان معظم الذين ذهبوا اليها لم يعودوا وقد مات الكثير منهم من شدة الجوع والبرد اما الذين عادوا فكان البعض منهم مصابين بعاهات ظلت مصاحبة لهم حتى اخر حياتهم. ، ويقول الباحث الدكتور مجيد محمدعلي القيسي في وصف لحالة الناس في محلاتنا الشعبية في بدايات القرن الماضي :
كنا نشاهد (ألأنضباطية) وهم يطاردون الهاربين من العسكرية (ألإفرارية) وأصوات الرصاص تلعلع في الجو، وإذا ما دخل (الإفرار) (الطرف) ودلف الى أحد الدور فإنه يختفي وكأنه (فص ملحْ وذابْ) نظرا لتراص الدور وبساطة بنائها ، ولا فرق هنا بين ابن (الطرف) والشخص الغريب فحق (الدخالة) حق محترم ومكفول للجميع وليس ببعيد ان تحدث أحيانا معركة حقيقية بين الانضباطية والفرارية فكثيرا ما شاهدنا (الإفرار) وهو يطلق الرصاص على (ألإنضِباطية) من (وروره) او يقذفهم بالحجارة من فوق السطح وأحيانا يدفع بـالستارة أو (التيغة) المتهالكة عليهم ، ولم يكن من المألوف ان يقتحم (الإنضباطية) المساكن لمطاردة (الإفرارية) ما لم يكن لديهم أمر حكومي بذلك وبوجود المختار مما يشير الى أحد أبرز معالم نظام الحكم في العهد الوطني (الملكي) وهو المتعلق بسيادة القانون وأحترامه من قبل أجهزة الحكومة قبل المواطنين .
#د.شيماءالسامرائي
دكتوراه بالتربية الفنية وباحثة بالتراث العراقي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
%d مدونون معجبون بهذه: