تقاريرفنونمحافطات

المساحات الخضراء مشروع قومي لبناء الإنسان وتنمية الوعي الجمالي

المساحات الخضراء تُعرف بأنّها المناطق الخضراء العامة التي تُوفّر مكاناً للترفيه، مثل الحدائق، والمتنزهات العامة، والبيئات الطبيعية، والغابات، أو المساحات الخضراء القريبة من المدن والتي تُستخدم للاستجمام، وهذا التعريف هو الأكثر استخداماً في الدراسات الأوروبية، كما ورد في الأطلس الأوروبي للمصطلحات الحضرية تحت رمز 14100. يجدر بالذكر أنّ هناك تعريفات كثيرة للمساحات الخضراء، إذ لا يوجد حالياً اتفاق على تعريف واحد معتمد عالمياً، فقد تشمل المساحات الخضراء التضاريس الطبيعية، أو المساحات الخضراء في المدن مثل أشجار الشوارع، أمّا المساحات الخضراء المعروفة والمنتشرة في المدن فهي المتنزهات العامة، وتُضيف بعض المراجع لها ملاعب الأطفال، وساحات المدارس، وجوانب الطرق، والممرات بجانب الأنهار، وحدائق المنازل.
والتنزه فى الطبيعة يريح النفس ويروح عن الأشخاص الذين لا يرون من الحياة إلا العمل والجهد والمسئولية ويريد أن يستريح من ضغوط الحياة، لعل هذا الأمر أصبح أمنية لا تتحقق عند كثير من المواطنين لعدم وجود المساحات الخضراء الكافية في معظم الأحياء السكنية..
لقد أجرى الباحثون دراسة جديدة من جامعة ستانفورد الأمريكية تبين أن التنزه فى الطبيعة يساعد على صفاء الذهن، وقد شارك فى الدراسة 19 شخصًا طلب منهم الباحثون التنزه فترة تصل لـ ـ90 دقيقة فى المدن وتم تسجيل استمارة بينوا ما بهم من حالة مزاجية قبل النزهة وبعد النزهة وقد تعمد الباحثون تصوير أدمغة كلّ من شارك فيها بمفرده فقط.
وكشفت الدراسة من خلال التصوير بعمليات المسح أن الدماغ والمنطقة المرتبطة بمخاطر الإصابة بالأمراض العقلية أصبح نشاطها يقل لدى من تنزهوا فى المدن الطبيعية.
وكانت مفاجئة للباحثين أن يكون للنزهات حول الطبيعة تأثيرا إيجابيا على المزاج. وهذا ما فسّر ضرورة وجود المساحات الخضراء فى قلب المناطق السكنية فى المدينة لمحاولة تحسين المزاج العام السكان.
كما تبين من خلال الخبراء النفسيين أن التنزه يساعد الطالب بشكل كبير على أن يعود للمستوى العلمى والتفوق الذى يريد أن يحافظ عليه قبل الوقوع فى الضغط الذى يشكله وقت ما قبل الامتحان ويشعر بالراحة النفسية وكذلك فترة ما بعد الامتحان لتخفيف الضغط الذى وقع عليه فى أثناء المذاكرة.
أهمية المساحات الخضراء بيئياً
تكمن أهمية المساحات الخضراء في آثارها الإيجابية المتعددة العائدة على البيئة، ومن أبرز هذه الآثار ما يأتي:
1- التقليل من تأثير ظاهرة الجزر الحرارية الحضرية: تُشير هذه الظاهرة إلى ارتفاع درجة الحرارة في المدن عنها في المناطق الريفية المحيطة بها بنحو 3-4 درجات مئوية، وتحدث هذه الظاهرة بسبب الأنشطة البشرية المُتمركزة في المدن والتي بدورها تُولّد الحرارة، ومنها: المواصلات والأنشطة الصناعية التجارية، حيث لا تنفد هذه الحرارة إلى الغلاف الجوي نظراً لاحتباسها في الشوارع الضيقة والهياكل الإسمنتية.
2- تحسين جودة الحياة: تُقلّل المساحات الخضراء من أثر التلوث البيئي وتحدّ من أضراره، وذلك عن طريق امتصاص الكثير من الغازات والمُلّوثات في الهواء، مثل غاز ثاني أكسيد الكربون والذي يُعدّ من غازات الدفيئة المُؤدّي إلى تغيّر المناخ، كما أنّ عمليات تجديد الهواء وتنقيته تُساهم في تحسين الظروف البيئية في المدن وبالتالي تعزيز حياة الأفراد النوعية.
3- أهمية المساحات الخضراء اقتصادياً ينعكس وجود المساحات الخضراء إيجابياً على الجانب الاقتصادي، حيث تتمثّل الأهمية الاقتصادية لها فيما يأتي:
أ‌- زيادة إنتاجية العمل: يُساهم وجود المساحات الخضراء في مكان العمل في رفع معنويات الموظفين، ممّا يؤدّي إلى زيادة إنتاجيتهم، حيث تُشير الدراسات إلى أنّ وجود المناظر الطبيعية بالقرب من العاملين في المكاتب يُساهم في تقليل شعورهم بالقلق والإجهاد.
ب‌- تنشيط الاقتصاد: بيّنت دراسات متعددة أجرتها كاثلين وولف من جامعة واشنطن ارتفاع إقبال المارّة على الشراء بنسبة 9-12% في أماكن التسوق التي تشتمل على الأسطح الخضراء مُقارنةً بأماكن التسوق الأخرى.
ت‌- تقليل تكاليف حل المشكلات الطبيعية: تُساهم المساحات الخضراء في تقليل التكاليف المحلية، والإقليمية، والخدمات العامة، الناتجة عن مواجهة التلوث والفيضانات.
ث‌- توفير فرص استثمارية: يُعدّ استثمار المساحات الخضراء مصدراً لزيادة الدخل، وذلك عن طريق استغلال الأراضي كمساحات خضراء، سواء بالاستفادة من الأرض المُستغلّة لحين توفر فرص استثمارية أخرى لها، أو الاستثمار في الأراضي المحيطة بها والتي ترتفع قيمتها عن غيرها بسبب إطلالتها على المساحات الخضراء.
4- أهمية المساحات الخضراء اجتماعياً تُساهم المساحات الخضراء في استقرار المجتمع لما لها من آثار إيجابية تتضح أثرها فيما يأتي:
أ‌- تقليل الإجهاد وأثر ضغوط الحياة: أثبتت الدراسات أنّ وجود المساحات الخضراء سواء أكانت حدائق للتنزه أو أشجاراً في الطريق يُساهم في التقليل من المشاجرات والعنف الناتج عن فرط الضغط والتوتر.
ب‌- تخفيض نسبة ارتكاب الجرائم: تُؤثّر المساحات الخضراء في تقليل البوادر النفسية المؤدية للعنف، بالإضافة إلى أنّ المساحات الخضراء تجذب العديد من الناس إليها وبالتالي تزداد المراقبة الجماعية للأحياء ممّا يقلّل من فرصة حصول جريمة.
ت‌- زيادة التركيز عند الأطفال: تُساعد البيئات الطبيعية الأطفال على التركيز، وإنجاز الواجبات، وكذلك الحدّ من التصرفات الطائشة، حيث يُبدي الأطفال التزاماً بالتعليمات والانضباط بعد قضاء الوقت في اللعب في الأماكن الخضراء، فقد أثبتت إحدى الدراسات الأمريكية التي أُجريت على 450 طفلاً مصابين باضطراب نقص الانتباه، أنّ قضاء الأطفال وقتاً بالقرب من المساحات الخضراء نتج عنه انخفاض في حدّة الاضطراب.
5- أهمية المساحات الخضراء للصحة تلعب المساحات الخضراء دوراً كبيراً في تحسين صحة الأفراد، وذلك لمساهمتها فيما يأتي:
أ‌- تحسين أداء القوى العقلية وتعزيز الوظائف الإدراكية.
ب‌- تقليل خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية.
ت‌- الحدّ من تفشّي مرض السكري النمط الثاني.
ث‌- التأثير بشكل إيجابي على صحة الحامل والطفل.
ج‌- تقليل نسبة الوفيات، فقد نُشرت دراسة عام 2008م في مجلة (Lancet)، قام بها الطبيبان ريتشارد ميتشيل وفرانك بوفام على 40 مليون بريطاني، دُرست فيها العلاقة بين تفاوت دخل الأفراد، وقُربهم من الطبيعة، ومتوسط العمر المتوقع لهم، فأشارت نتائج الدراسة إلى أنّ متوسط العمر المتوقع للأفراد الذين يسكنون المناطق الريفية كان متساوياً تقريباً بين أصحاب الدخل المرتفع والمنخفض هناك.
ح‌- زيادة سرعة التداوي من الأمراض، حيث بيّنت دراسة أجراها روجر أولريش في جامعة تكساس الزراعية والميكانيكية، ارتفاعاً في أداء المرضى الذين أُجريت لهم٤ عمليات جراحية، وكانت غرفهم تُطلّ على مساحات خضراء، حيث زادت نسبة التعافي إلى 8.5% مقارنةً بغيرهم ممّن كانوا في غرف عادية.

بقلم: أشرف فتحي عبد العزيز أستاذ الفنون والديكور وعميد كلية التربية جامعة قناة السويس السابق

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
%d مدونون معجبون بهذه: