أخبار عاجلهتقاريرفنون

دكتورة شيماء السامرائي تكتب : حكايات من التراث و الفلوكلور العراقي

ماجينا وقرقيعان.. شهر رمضان وبعد الإفطار أرى جدتي تجهز كيس الحلوى من حامض حلو و جكليت أو بقلاوة و زلابية أن لم يوجد شي منهم فتجهز كيس صغير فيه بعض المال
اسألها لمن لأطفال الماجينا
وماهي إلى ثواني ونسمع صوت الأطفال على باب الحوش (الباب التي تطلع على باحة البيت من الشارع) وهم يغنون ماجينا ويدلعون ابني وسيم وشموس.


“ماجينا يا ماجينا حلّي الچيس وانطينا/ تنطونا لو ننطيكم/ بيت مكة نوديكم/ هاي مكة المعمورة مبنيه بجص ونورة سربك
ماجينا ياماجيني حل الجيس وانطينة تنطونه لو ننطيكم الله يخلي
وسيم امين
الله يخلي شموس امين
وسيم وشموس على التينة يقطع وينطينا سبع جناجل على الجبل تنطونه لو نروح
ياهل السطوح تنطونه لو نروح

چبو علينا المي بيت أهل الفكر

أغنية يرددها الأطفال الصغار خلال شهر رمضان في أزقة وأحياء بغداد القديمة. وفي البصرة والكويت ودول الخليج يرددون قرقيعان
و قرقيعان بين قصير ورميضان سلم ولدهم يالله خاله ل أأمه.

و(ماجينا) كلمة أوردية من مقطعين: ماج وأصلها (ماك)، و(اينا)، حيث أن كلمة (ماك) تعني التصالح والغفران، و(اينا) معناها أهل المحلة أو المنطقة الواحدة، فيكون معناها “تصالح أهل الحي والمنطقة وتغافرهم”.

فما إن ينتهي الصائمون من تناول الإفطار ويحل الظلام، يجتمع الأطفال في رأس
(الدر بونة) أو الزقاق، ويسيرون في كوكبة صغيرة يقودها أكبرهم سناً، ويطرقون كل الأبواب، منشدين أغنية “ما جينا”.

يقول الباحث في تراث وفلكلور الشعوب وهاب شريف، إن “أصل كلمة الماجينة هي (لولاك ما جئنا).

وهناك رواية أخرى عن “الماجينا”، مفادها أن “سيده بغدادية يهودية اسمها (ريجنا) كانت تحسن للأطفال والناس وتشاركهم أفراحهم ومسراتهم، وكان الأطفال يقفون عند باب بيتها”.

أما ردّ سكان الحي على هؤلاء الأطفال بعد فتح أبوابهم لهم، فهو تقديم الحلوى مثل “االزلابية، والبقلاوة، والملبّس، والمصقول، والزبيب”.

وإذا تأخر صاحب الدار عن الرد فإن الأطفال يرددون “يا أهل السطوح تنطونه لو نروح؟”، وعندها يضطر صاحب الدار أن يعطيهم بعض المال بدلا من الحلوى إذا كانت غير متوفرة لديه، فيتغزلون بابنه الكبير أو الأصغر بين إخوته مرددين “داده (فلان) ما حلالي مثلك.. شط الهندية ما بلل كذلتك”.

ويختمون الأنشودة أو الأهزوجة بمقطع ينشده قائد المجموعة بقوله “الله يخلي راعي البيت” ويقول بعده باقي أفراد المجوعة “آمين”، ليعود القائد ويقول “وبجاه الله وإسماعيل”، ثم يقول الأطفال “آمين”.

أما إذا امتنع صاحب الدار عن إعطاء الهدية أو فتح الباب فإنهم يرددون “يهل السطوح تنطونه لو نروح؟”.

وحكاية أهل السطوح هي أنه كان من المعتاد قيام الأطفال بجولتهم هذه عندما يقع رمضان في الصيف ويطيب السير والتجوال في الأزقة، يكون عندئذ سكنة البيت قد أفطروا وصعدوا فوق سطح البيت للنوم على عادة العراقيين.

ينهض حينذاك واحد منهم إلى سياج السطح، إن كان أعجبه غناء الجوقة واستحسن شكلهم فيلقي عليهم شيئاً من الشوكولاتة والحامض حلو، وإذا تضايق منهم وانزعج من أصواتهم فيلقي عليهم جرّة ماء من فوق ويفرقهم، يتراكضون عندئذ وهـم يولولون ويصرخون وينهالون بالشتائم على صاحب البيت، فيقولون مثلاً “ذبو علينه الماي يا بيت الفكر”.

المناطق الشعبية

تستقبل الأحياء والمناطق الشعبية القديمة المكتظة بالسكان كل رمضان بحماس شديد، مواكب الأطفال الذين يتجمعون بعد الفطور ويتجولون على المنازل مرددين أنشودة “الماجينة”.
.

لكن الأحياء والمناطق غير الشعبية أو الحديثة تختلف كثيراً حيث إن أطفال “الماجينا” في تلك الأحياء غابوا في الأعوام الأخيرة، إذ تختلف اهتمامات الأطفال وألعابهم في هذه المناطق عن غيرها من المناطق الشعبية.

الكثير من العوائل أهملت هذا التقليد وامتنعت عن التواصل مع أطفال (الماجينا) ولم تعد تفتح أبواب منازلها لهم لمنحهم بعض الهدايا والحلويات”.

طفلة لم ترهم يوماً

أدى مشهد تلفزيوني لأطفال يسيرون في حي شعبي قديم وينشدون “ماجينا يا ماجينا”، إلى اكتشاف طقوس الأطفال في شهر الصيام وأنشودة “الماجينا” تحديدا.
هيا الأحياء التراث العراقي والعربي بروح أطفالنا.

#د.شيماءالسامرائي
دكتوراة بالتربية الفنية
وياحثة في التراث العراقي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
%d مدونون معجبون بهذه: