ماس كهربائى يحول مصنع الشمع إلى قبر جماعي في شبرا الخيمة
كتب : أحمد فؤاد
المصنع الصغير في حيٍّ مكتظ بالحياة، وتتشابك فيه الأزقة وتعلو أصوات الباعة في الصباح وتخفت بحلول الليل، كان هناك ذلك لتصنيع الشمع في الطابق الأرضي من عقار قديم في شبرا الخيمة. لم يكن المصنع قانونيًا، بدون ترخيص لكنه كان ملاذًا لأربعة نساءٍ يبحثن عن لقمة عيشٍ صعبة، وطفل صغير، وزوجة شابة تساند زوجها في هذه الحياة القاسية.
في ذلك الصباح، خرجت «فوزية» من شقتها في الطابق الثاني تحمل طعامًا بسيطًا لزوجها وابنها «آدم»، الذي أصرّ أن يساعد والدته في العمل رغم سنواته الـ11. كان اليوم يبدو عاديًا، كأي يومٍ آخر، حيث تنساب حرارة الشمع المذاب في القوالب، تصحبه رائحة كيميائية خانقة اعتادها الجميع.
لكن الحياة أحيانًا تتبدل في غمضة عين. اشتعلت شرارة صغيرة من ماس كهربائي، لتلتهم النيران كل ما في طريقها، لم يترك الشمع المُذاب، الذي كان مصدر رزقهم، فرصة للهرب؛ بل صار وقودًا يعزز من جحيم المكان.
تحول صراخ النساء إلى سيمفونية من الألم والخوف، بينما امتدت النيران من الطابق الأرضي إلى الأعلى، حاول الجيران التدخل، لكن اللهب كان أسرع من الأيدي، والدخان الخانق كان يحكم قبضته على الأنفاس، سمع الجميع صراخ «فوزية»، بأعلى صوتها: «آدم… آدم جوه!»، لكنها لم تخرج قط.
«راحوا في لحظة واحدة»
حين هدأت النيران أخيرًا، حمل رجال الإطفاء ٧ جثث متفحمة إلى سيارات الإسعاف. كان الطفل الصغير ووالدته من بين الضحايا، ومعهما ٣ نساء أخريات، تركن وراءهن قصصًا لم تُكتَب، وحياةً لم تكتمل.
في المشرحة، كان المشهد أشد قسوة، الجثث وُضعت في ثلاجة حفظ الموتى، ملفوفة بملاءات بيضاء، تروي حكايات الألم التي لم تفارق وجوههن حتى في الموت، وقف الزوج، الذي فقد كل شيء، أمام باب المشرحة، لا يقوى على الكلام، ولا على البكاء، كان الحزن يلفه كعباءة ثقيلة، بينما كانت كلمات الجيران تتكرر حوله: «راحوا في لحظة واحدة… لا حول ولا قوة إلا بالله».
وفي الحي، باتت رائحة الحريق تخيم على المكان كأنها تأبى الرحيل، شاهدةً على مأساة لا يمكن نسيانها. في ذلك المكان، لن تُنسى ضحكات الطفل «آدم»، ولا وجوه النساء اللواتي كافحن من أجل الحياة، حتى قضين فيها.
أشارت النيابة العامة في تقريرها الأولي إلى أن الحريق نشب بسبب ماس كهربائي في ورشة لتصنيع الشمع، تعمل دون ترخيص في الطابق الأرضي من العقار. النيران لم تجد ما يمنعها من الانتشار؛ فقد كانت المواد المستخدمة في تصنيع الشمع وقودًا مثاليًا لتغذية الكارثة، امتدت النيران إلى الطابق الثاني، حيث تقيم بعض العائلات، لكن الجحيم الأكبر كان في قلب الورشة.
قررت النيابة بنقل الجثث الـ٧ إلى مشرحة مستشفى ناصر العام لتحديد أسباب الوفاة، وتبين أن معظم الضحايا لقوا مصرعهم نتيجة الاختناق بالدخان الكثيف، قبل أن تصل النيران إلى أجسادهم. أصدرت النيابة قرارًا باستدعاء صاحب الورشة، الذي كان خارج المكان أثناء الحريق، للتحقيق في أسباب عمل الورشة دون ترخيص.
أعلن محافظ القليوبية حالة الطوارئ فور وقوع الحادث. وأكد مصدر مسؤول على اتخاذ إجراءات صارمة ضد كافة الورش غير المرخصة التي تشكل خطرًا على الأرواح.