تمثل أهداف التنمية المستدامة تحدياً معقدا على مستوى الحوكمة، حيث تتسم طبيعة أهداف التنمية ينكل التقدم نحو المستدامة بالتكامل والترابط والامتداد عبر الأجيال، الأمر الذي يتطلب من الحكومات إعادة التفكير في تنظيمها في كيفية تحويل الإلتزامات والمبادئ التي ترسمها السياسات، إلى أدوات تنفيذية من أجل تحقيق التنمية المستدامة .
لأنه عندما تقوم الحكومات بالتطبيق العملي لتحقيق أهداف التنمية المستدامة تجد عقبات كبيرة في التغلب على النهج التقليدي في صنع السياسات، وغالباً ما تكون الجهود المبذولة لتنفيذ هذه الأهداف منفصلة عن أجندة السياسات العامة
فعلى سبيل المثال، لم تُدمج أهداف التنمية المستدامة بعد في آليات الحوكمة الرئيسية الموازنة العامة وأنظمة الشراء العمومي وكيفية اختيار الكفاءات القيادية المطلوبة وكذلك نظم الرصد والتقييم). كما أن هناك حاجة إلى عقد شراكات وإطلاق منصات أقوى لتتيح تضافر جهود البلدان لتبادل أفضل الممارسات والتعلم من تجارب بعضها البعض في إدارة أهداف التنمية المستدامة .
ولذا فيشكل تنفيذ إصلاحات الحوكمة وتنفيذ الاليات الخاصة بها أولوية قصوي في سبيل تنفيذ وإنجاح استراتيجيات التنمية المستدامة بشكل عام وفي تنفيذ استراتيجية التنمية المستدامة مصر 2030 على وجه خاص.
من هنا نستطيع ان نقول انه يجب ان يشمل طريق الاصلاح المحاور الثلاثة والخطوات التالية:
محور الرؤية والقيادة: الخطوة الأولى بناء التزام وقيادة قوية
لتعزيز العمل على المستوى الحكومي وضمان تماسك السياسات، وأن يكون التعامل مع ملفات التنمية المستدامة على أعلى المستويات ومدعوماً بالاستراتيجيات وخطط العمل والسياسات والتشريعات والتعليمات والحوافز جميع فروع ومستويات الحكومة من متابعة تحقيق الأهداف بطريقة
الخطوة الثانية صياغة رؤية إستراتيجية طويلة الأجل
وهي من الاساسيات المطلوبة لتنفيذ اصلاحات الحوكمة واحد الاليات الاساسية في تنفيذ منظومة الاصلاحات الادارة الاستراتيجية وأيضاء لدعم الاحتياجات الحالية والمستقبلية بطريقة متوازنة كما أنها أساسية لضمان تجاوز الجهود المبذولة لتنفيذ أهداف التنمية المستدامة الدورات الانتخابية أو البرامج الحكومية أو التشكيلات الوزارية .
الخطوة الثالثة إدماج السياسات بأبعادها الثلاثة وبعد إدماج السياسات أمراً أساسياً لتحقيق التوازن بين الأولويات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية المتباينة في كثير من الأحيان، وكذلك في مواءمة الموارد العامة والخاصة والمحلية والدولية، لدعم التنمية المستدامة فعلى سبيل المثال، يمكن أن يؤدي زيادة إدماج السياسات وتحسين مستوى تماسكها في البلدان المانحة إلى تعزيز أثر الموارد التي تبذل لدة تحقيق التنمية المستدامة، وذلك من خلال تعضيد السياسة الضريبية للسلع والخدمات الممولة من جهات المساعدة الإنمائية الرسمية .
محور العمل التنسيقي :
الخطوة الأولى التأكد من أن التنسيق يشمل كافة الجهات الحكومية تبنت الدول أشكال مختلفة لتنسيق وتنفيذ أهداف التنمية المستدامة حيث شكل بعضها لجان أو آليات جديدة مجموعات وزارية مؤقتة – مجموعات وزارية دائمة – وحدات استراتيجية)، بينما قامت دول أخرى كما الحال في مصر أن تكون هناك وزارة مسئولة ومشرفة على متابعة تنفيذ الاهداف ورصد مؤشرات الأداء الخاصة بها والتعامل والظهور امام الجهات الدولية، وما تزال هناك بعض الدول تبحث عن ترتيبات أكثر ملاءمة لدعم جهودها الوطنية لتنفيذ أهداف التنمية المستدامة.
الخطوة الثانية إشراك أصحاب المصالح:
يتطلب التنفيذ المتسق لأهداف التنمية المستدامة آليات حوار ومشاركة، يمكن للحكومات وأصحاب المصلحة من خلالها التعاون لتحديد التحديات المشتركة ووضع الأولويات والمساهمة في تشكيل القوانين واللوائح ومواءمة السياسات والإجراءات وحشد الموارد من أجل التنمية المستدامة. إن تمكين المشاركة الفعالة لأصحاب المصلحة يعني أن يحصلوا على فرص للوصول إلى عملية صنع القرار بشكل عادل ومتكافئ من أجل الموازنة بين مناقشات السياسة وتجنب الاستيلاء على السياسات العامة من قبل مجموعات المصالح الضيقة في فنلندا، تعد الالتزامات التشغيلية من بين الأدوات الرئيسية لتعزيز مشاركة أصحاب المصلحة الرئيسيين وخلق الفرص للمنظمات والمواطنين النشطين لتحقيق أهداف التنمية المستدامة بجهد مجتمعي وفي لوكسمبورغ، كان لإطلاق مقياس السياسة العادلة، وهو تقرير صادر عن المنظمة الوطنية الراعية للمنظمات غير الحكومية، وما أعقب ذلك من مناقشات في البرلمان، دورا في تحديد الاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة بينما تطبق إندونيسيا ،بدورها مبدأ شراكة يقوم على الثقة المتبادلة والمشاركة والشفافية والمساءلة للعمل مع اربعة منصات تشاركية الحكومة والبرلمان منظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام الأعمال الخيرية والعمل والأكاديميين.
محور إحداث التأثير: كيف نقيم مدى تقدمنا في تحقيق أهداف التنمية المستدامة؟ الخطوة الأولى تحليل وتقييم أثر السياسات والتمويل
من خلال تبني أجندة 2030، أكدت الدول الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة أنها ماضية سوية على الطريق نحو تحقيق التنمية المستدامة، ومكرسة جهودها الجماعية لتحقيق التنمية العالمية. ومع تزايد الترابط العالمي، يتعين على الحكومات تكثيف الجهود وتبني آليات لتنبؤ ومعالجة الآثار الحتمية لسياساتها في أفاق التنمية المستدامة ورفاه الشعوب في البلدان الأخرى وفي هذا السياق من الضروري التركيز على الآثار السلبية المحتملة على الدول النامية.
كما تستعين العديد من البلدان بأدوات تقييم تأثير السياسات، بالإضافة إلى الإجراءات التي تجري بشكل منتظم لتقييم وتحليل وتحديد الآثار المحتملة للسياسات ففي أ ألمانيا، تخضع جميع المقترحات الخاصة بالقوانين واللوائح الجديدة لتقييم أثر الاستدامة ومن خلال أداة على شبكة الإنترنت يتمكن صانعي السياسات من تقييم تأثير الاقتراح التنظيمي على كل هدف من أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر، وترجمتها إلى مستهدفات وطنية. كما تعمل عدة دول على تحسين العمليات والمبادئ التوجيهية لتقييم الأثر ، لمواءمة السياسات مع ) أهداف التنمية المستدامة، والنظر بشكل أكثر منهجية في الترابط بين إجراءات تنفيذ أهداف التنمية المستدامة على المستويات المحلية والدولية.
الخطوة الثانية تعزيز أنظمة الرصد والإبلاغ والتقييم
يعتبر صنع القرار المبني على بيانات علمية موثوقة ومناسبة، عنصراً حاسماً في تعزيز تماسك السياسات من أجل تحقيق التنمية المستدامة ويتطلب التنفيذ المتسق لأهداف التنمية المستدامة آليات لرصد ما يتم إحرازه من تقدم، وتقديم التقارير إلى الجهات المسؤولة والرأي العام، وتوفير التغذية الراجعة حتى يتم تعديل الإجراءات والسياسات القطاعية في ضوء الآثار السلبية المحتملة أو غير المقصودة