أخبار عاجلهأخبار عالميةبرلمان بلدنابلاد الدهبمحافطاتمقالات

الدكتور عباس شومان يكتب : أفول الغرب

بقلم :  الأستاذ الدكتور عباس عبداللاه شومان رئيس لجنة الفتوى بالأزهر الشريف ووكيل الأزهر الشريف سابقا

نُشِرت صورة للإمام الأكبر الذي لم أره يومًا هيَّأ نفسه ورغب في التقاط صورة له كما نفعل جميعًا، بل غالب صوره مطلوبة من زائريه حيث يحرصون في نهاية مقابلته على التقاط صورة معه، وباقيها يلتقط له دون تنسيق من مرافقيه ومجالسيه، وكثير من الصور رأيته بنفسي وهو غير راغب فيها ولكن الحياء يمنعه من الرفض، وغاية ما يفعله هو أن يطلب ممن طلب التقاط الصورة أن يحتفظ بها لنفسه ولا يقوم بنشرها، والصورة التي نُشِرتْ للإمام صورة له وهو في الطائرة حيث كان في زيارات خارجيَّة شملت إجراء فحوصات طبيَّة دوريَّة، كانت نتائجها مطمئنة جدًا بفضل الله وكرمه، وقد ظهر إلى جواره كتاب؛ نعم، فالتهمة تتمثل في كتاب إلى جوار الإمام، والكتاب هو”أفول الغرب” للكاتب المغربي حسن أوريد، وقد كان مجرد ظهور الكتاب مغلقًا إلى جواره كافيًا لأحد المتربصين بالإسلام والأزهر وعلمائه وبخاصة إمامه للهجوم على الإمام الأكبر، حيث علَّق أحدهم قائلاً : عندي سؤال بسيط وبكلِّ احترام: الكتاب الذي يقرأه فضيلة الإمام في الطائرة الأمريكيَّة عنوانه :أفول الغرب!!!! اللي هو الغرب الكافر الذي لو أفل وغابت شمس حضارته مش هتلاقي قرص دواء ولا كمان طيارة ترجع فيها. انتهى

وهذه الكلمات الركيكة والأسلوب الساقط الذي لا يستغرب من كاتبه حيث لم يكتب يومًا سطرًا يقرأ دون امتعاض، ولم يقدم شيئًا نافعًا في تخصصه الذي هجره إلى ميدان انضم فيه إلى زمرة جمع بينها عداء كلِّ ما يتصل بالإسلام ومنه الأزهر بطبيعة الحال، والتغني بحضارة الغرب التي لم يظهروا لنا منها كرامة ظهرت عليهم، فهذا الغرب لا يعرفهم، ولو عرفهم لأنكر انتسابهم إليه إنكار من لا يشرفه المنتسب إليه، فبقي هؤلاء بلا هوية فالغرب الذي يغرمون به ويهيمون في حبه يجهلهم، والشرق الذي يحملون جنسية إحدى دوله كل من فيه ممن ليس على شاكلتهم يمقتهم، ويصاب بالغم إذا صادف نظره صورة أحدهم.

و هذه الكلمات لا تليق في مخاطبة إمام المسلمين الأكبر، هذا العالِم الذي شهد له الغرب قبل الشرق، فها هو عائد من الغرب ليس للمرة الأولى وإنما لعشرات المرات، وقد رأى هذا وزمرته مرات عديدة من الترحيب والتهليل له في قلب: الفاتيكان، والبوندستاج في ألمانيا، ومجلس الكنائس العالمي، وكسر الرئيس الفرنسي للبرتوكول الذي يستقبل به رؤساء الدول على باب الإليزيه مرتين، حيث نزل ذاك السلم الطويل ليستقبل الإمام الأكبر على باب سيارته كما شاهده العالم بأعينهم، وكسره في وداعه حيث نزل السلم مرة أخرى ليودعه على باب سيارته، وحين تزاحم الصحفيون حول الإمام الأكبر فانشغل بهم وقتًا ظنًّا منه أنَّ الرئيس قد عاد إلى قصره نبَّهه بعض مرافقيه إلى أنَّ الرئيس الفرنسي لازال واقفًا ينتظر دخول الإمام سيارته فودعه واستقل سيارته مستأذنًا من الصحفيين؛ حتى لا ينتظر الرئيس الفرنسي أكثر مما انتظر وهو لا يعلم.

ورأي هؤلاء قادة ورؤساء دول يقودون سياراتهم بأنفسهم وإلى جوارهم إمام المسلمين الأكبر، إن رئيس إحدى الدول وقف يخدم الإمام الأكبر بنفسه ويضع له الطعام في الأطباق التي أمامه على مائدة الغداء، ومع محاولات عديدة من الإمام طالبًا منه الجلوس، وتَرْك الخدمة لكثير من الخدم الذين يخدمون الوفد المرافق له، وهو يأبى كل الإباء، وهو ما ترتب عليه أنَّ الإمام لم يتناول شيئًا تقريبًا من الطعام، حيث لم تسترح نفسه لوقوف رئيس دولة يخدمه بنفسه…. لقد ارتفعت مكانة هذا الرئيس كثيرًا بخدمته إمام المسلمين الأكبر، فخدمة العلماء شرف، فما بالكم بخدمة إمامهم الأكبر؟ بكل تأكيد لا يرضي هؤلاء هذا التقدير الكبير وغير المسبوق ولا المعهود الذي يلقاه إمام المسلمين شيخ الأزهر.

وكذلك تلك المؤسسة التي يحملون لها العداء، حيث تعرقل جهودهم في سلخ المجتمع عن تعاليم دينهم وقيمهم، ويجاهر بعض سفهائهم بأنه سيقضي عليه وعلى علمائه، دون حياء ولا أدب، وكأن هؤلاء النكرات أقوى من المحتلين التاريخيين الذي تحطمت أحلامهم في صحن الجامع الأزهر، وعادوا بجيوشهم يجرون عارهم وخزيهم إلى حيث أتوا، بفضل صمود علماء الأزهر، والتفاف عامة الشعب حولهم لدحر الغزاة وقهرهم.

وبعيدًا عن الأسلوب الساقط الذي كتب به هذا الحاقد، فليته لم يكتب، وأظنه الآن إن كان يعرف الخجل يتمنى لو لم يكن فعل، بعد انطلاق موجة عارمة من كلِّ حدب وصوب يصبون جام غضبهم عليه، وينعتونه بأبشع ما عرفه الناس من أوصاف، ويدافعون عن إمامهم الأكبر، حيث كشف الكاتب عن جهل فاضح ومنهج فاسد في الحكم على ما في نوايا الناس؛ فكتاب أفول الغرب من الواضح أنَّ هذا الأدمي لم يعرف إلا عنوانه ولم يقرأه يومًا، فهو كتاب تكلم فيه مؤلفه عن خطورة ترك القيم على كلِّ من العرب والغرب وكل الأمم، وطالب بضرورة تمسك كل أمة بقيمها التي تؤمن بها لتستقر حضارتها، وحيث إنِّ الغرب يبتعد كثيرًا عن التمسك بالقيم فهو يرى أنَّه سيتراجع سريعًا قبل سائر الأمم، وليس هذا الكتاب الوحيد الذي تحدث في الموضوع، بل بعض الغرب كتب فيه، ولم يبتعد عن هذا الذي كتبه الكاتب المغربي، ومنهم الكاتب الألماني: أوسفالد شبيغلر ، له ىكتاب بعنوان : تدهور الحضارات، حيث أكَّد فيه على أنَّ الحضارات كفصول السنة الأربعة، تبلغ قمة ازدهارها بما يشبه الربيع ثم تتراجع لتكون في أسوأ أحوالها بما يشبه الخريف، ويرى أنَّ خريف الغرب قادم لامحالة، والمضحك في تناوله محاكمة عقليَّة شخص كإمام المسلمين لمجرد ظهور كتاب إلى جواره أو في يده، فيغمز إلى أنَّ الإمام يكفِّر الغرب، وكأنَّه سمعه بعد أن قرأ الكتاب يصفهم بهذا الوصف، وكأنَّ الإمام هو من كتب هذا الكتاب ونص فيه على كفرهم!.

ما العيب في قراءة الإمام لكتاب ما، وهل كل من قرأ كتابًا كان بالضرورة من أنصار ماك كُتِبَ فيه؟ نحن نضطر مثلًا لقراءة بعض ما تكتب أنت وأمثالك مع أن ما تكتبون أبغض ما يمكن أن نقرأ إلى نفوسنا.

لقد حكم هذا على الإمام بأنَّه يكفِّر الغرب لمجرد ظهور كتاب لم يكتبه ظهر إلى جواره مغلقًا، وكأنه غاص في أعماق ما يعتقده الإمام فأظهره لنا حتى نعلمه!.

أمَّا قوله: بأنَّ حضارة الغرب إذا أفلت فلن يجد الإمام قرص دواء وطائرة …فهذا هو التراجع والانهزام الحضاري الذي يمثله هذا وأمثاله، حيث كان من الأولى أن يستغل هذا الفرصة ليدعو إلى استرداد جهود أجدادنا التي انطلقت منها حضارة الغرب، حيث تركناها ولم نواصل ما بدأه الأجداد، بينما طوره الغرب فارتفع شأنهم وأصبحنا نستورده منهم وكأنه من بنات أفكارهم، ومن ذلك قرص الدواء الذي تحدث عنه هذا، فأجدادنا سبقوا العالم الغربي في اكتشافه وصناعته، وإن كنت لم تسمع يومًا عن ابن البيطار الذي جمع بين الطب والصيدلة، وابن سينا الذي تُدَرَّس كتبه في جامعات الغرب الذي تتباهى به، وابن باجه، والإدريسي، والرازي…فارجع إلى الغرب ليعرفوك بهم فهم يعرفونهم ويقرون بالفضل لهم فيما هم فيه الآن.

 وأمَّا الطائرة الأمريكيَّة يا هذا فهي اختراع عربي لم يخطر ببال غربي، وإنما باشره عباس ابن فرناس حيث صنع نموذجًا ليقلد الطيور التي تطير في الهواء، وإن لم ينجح في اختراعه هذا إلا أنَّه فتَّق الأذهان وأثار فضول الباحثين حتى نجحوا في تطوير هذا الاختراع، فحبة الدواء يا هذا من اختراعنا، والطائرة يا هذا من اختراعنا، ونسبتك للدواء والطائرات وغيرهما إلى الغرب إنكار لجهود أجدادك إن كنت من العرب، واعلم بأن الغرب لا ينكرون هذا، ولم يعترض واحد منهم حين قلت في نيويورك في عام 2017م في مؤتمر : الحوار الحضاري بين العرب والولايات المتحدة الأمريكيَّة، حيث قلت: لولا جهود عباس بن فرناس في محاولة الطيران ما كان بالإمكان أن نأتي إليكم من بلادنا البعيدة ويأتي الآخرون من أرجاء الدنيا على متن طائراتهم في ساعات معدودة، بل صفق الحضور بحرارة وهم من يمثلون الدول الإسلاميَّة العربيَّة وغير العربيَّة بالإضافة للحضور الأمريكي الذي يمثل الجانب الآخر في الحوار، ولست أنا من يزعم هذا الزعم فقد شاركت في مؤتمر عقد بدبي بعنوان :استشراف آفاق المستقبل، شارك فيه علماء من مختلف الجنسيَّات، ومنهم علماء من أمريكا أعلنوا في كلماتهم أنهم لا يرتبطون بدبي أو أي دولة عربيَّة بصلة، وأنهم لم يأتوا إلى دبي من قبل، وإذا بهم يردون حضارتهم ومخترعاتهم الحديثة إلى أجدادنا العرب، وعددوا منهم :ابن سينا، وابن الهيثم، وابن البيطار، والرازي، والزهراوي، وابن النفيس، وجابر بن حيان، والخوارزمي، والكندي، ومنها ما نحمله في أيدينا وجيوبنا من أجهز المحمول وكاميراتها الصغيرة التي هي تطوير لفكرة ابن الهيثم، والمنجزات الطبيَّة قامت على جهود ابن سينا والرازي، والعجيب أن هؤلاء العلماء لم يكتفوا بالإشادة بعلماء أجدادنا مجملة، بل كانوا ينسبون أشياء متطورة نستخدمها نحن وهم إلى مخترعها الأول العربي، فيردون المناظير والتلسكوبات والبصريَّات للحسن بن الهيثم، والتطور الطبي لابن سينا، والعمليَّات الجراحيَّة لأبي بكر الرازي أول مبتكر للخيوط الجراحيَّة، وأول صانع للمراهم.

ومن فرسان ميدان الجراحة الزهراوي فهو أول من استخدم خيوطًا جراحيَّة من أمعاء الحيوانات للخياطة الداخليَّة للجروح فهي لا تنتج أي مضادات مناعيَّة وتذوب بشكل طبيعي، وهو ما يغني عن مزيد من العمليَّات الجراحيَّة….لقد شعرت وأنا أتابع هذه المحاضرات بالفخر والخجل معاً، أمَّا الفخر لأنَّ هؤلاء أجدادي، وأمَّا الخجل فلتراجعنا الحضاري وانهزامنا النفسي، حيث تركنا منجزات الأجداد دون أن نطورها حتى أخذها الغرب فطوروها، واكتفينا باستيرادها، وأنكر أو تجاهل بعضنا كأمثالك نسبتها لحضارتنا.

ثم من قال لك إن حضارة الغرب إذا أفلت لن نجد قرص دواء، ألا تعلم يا هذا أن لدينا العديد من القلاع الصناعيَّة في مجال التصنيع الدوائي، وحتى الطائرة الأمريكيَّة، ألا تعلم أن بلدك الذي تعيش على أرضه وتحمل جنسيته تنتج أنواعًا منها إضافة إلى العديد من أنواع الدبابات والصواريخ وغيرها من الأسلحة العسكريَّة؟ ألم تسمع يا هذا في زمن التراجع هذا الذي تسبب فيه أمثالك بتصديرهم اليأس إلى نفوس الشباب والكبار على السواء، ومع ذلك برز العديد من العلماء الذي أثروا في نهضة العالم: كأمثال الراحل أحمد زويل، ومصطفى مشرفه ، ومجدي يعقوب، وفاروق الباز …. بالإضافة إلى العديد من علماء آخرين من مصر ومن الدول العربيَّة الأخرى، فلا نقيِّم عالمنا العربي وحضارته بمستواك وأمثالك ممن نستحي فعلًا من انتمائكم إلى حضارتنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
%d مدونون معجبون بهذه: