تعجبت كثيرا عندما سمعت الدكتور مصطفى محمود يصف إنجازاته وكتاباته العلمية والأدبية بأنها « شوية كلام»،وأنه «مكسوف» يقابل المولى عز وجل بها وكيف تكون 400 حلقة من برنامج العلم والإيمان شوية كلام ؟!
وهل آلاف المقالات التى بدأت بمجلة الرسالة ثم آخر ساعة وروز اليوسف والأهرام .. شوية كلام !!!!
سبحان الله .. كان عدم الاقتناع هذا الذى سيطر على العالم الكبير وباح به لصديقه الموسيقار محمد عبد الوهاب طاقة الخير والنور ومفتاح الحياة الكريمة لالاف من البشر..علاجهم ، إطعامهم، كسوتهم، رعاية الايتام والارامل.. من خلال جمعيته الشهيرة ومسجده الذى يقف منارة فى حى المهندسين ،ليمتد فى أحياء أخرى ومحافظات عديدة ..
وإذا تحدثنا عن أعماله الخيرية فلن نستطيع حصر كل ما حفره مصطفى محمود ومحبو العمل الخيرى فى قلوب الناس من خلال تلك المنارة ،التى تفرعت منها أيضا خدمات علمية مثل الجمعية الفلكية التى تضم أربعة مراصد فلكية، ومتحفا للجيولوجيا، يضم مجموعة من الصخور الجرانيتية، والفراشات المحنطة بأشكالها المتنوعة وبعض الكائنات البحرية، ويستقبل أساتذةً يتطوعون بإلقاء محاضرات في علوم الفلك والفضاء..
إننا فقط فى السطورسنجوب فى حياة هذا العالم سريعا ،الذى للاسف لا يتذكره الاعلام،ولا حتى فى ذكرى وفاته،رغم ما تركه من ثروات خيرية وفكرية وعلمية..
سنبدأ من منتصف الطريق،نروى قصة جمعية مصطفى محمود ومسجده ،وقد بدأت فى منتصف السبعينيات وبعد إنجاز العالم الكبير نحو 70 كتابا ،وكعادته، امتلكه سؤال ظل يؤرقه،وسأل نفسه «وماذا بعد الكتب والمقالات «؟! حتى حانت اللحظة، والتقى صديقه موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب ودار حوار بينهما كان سببا فى طاقة الخير التى غمرت مصر، فقال الدكتور للفنان :» أنا مش عارف هاقابل ربنا ازاى بشويه كلام، دى حاجه تكسف» ،فرد عليه عبد الوهاب»وايه يعنى انت هتقابله بالكلمة ولها دور عظيم فى بناء المجتمع»، فرد عليه العالم الكبير قائلا : طيب وانت هتقابله بايه ،فقال عبد الوهاب « انا هاقابله بالفن العظيم الذى شكل اجيالا واجيالا»، فرد عليه الدكتور «هتقول لربنا ايه .. بلاش تبوسنى فى عنيه دى البوسة فى العين تفرق، ولا هتقول له الدنيا سيجارة وكاس»، وضحك مصطفى محمود ضحكته الساخرة المشهور بها ، وأضاف قائلا لعبد الوهاب» يعنى بينى وبينك يا عبد موقفك مش مضمون»!!!
ودار سجال بين الطرفين حول الفن والكلمة وأهميتهما، وأصر مصطفى محمود على موقفه ، وأردف محاولا إقناع صديقه عبد الوهاب « يعنى ممكن لعيب كورة يقابل ربنا بشويه أجوان .. إيه رأيك ،هل يكفيه، ولا واحد ملاكم يقابل ربنا بكام لوكمية،فهذا فن أيضا».
وبدأ عبد الوهاب يسأله عما يقصد فقال د. مصطفى محمود « شوف، فى فرق بين الاقوال والأعمال، فالأخيرة تعنى اطعام فقير او كسوة عريان او كفالة يتيم، أى عمل مشروع خدمى ينفع الناس، يعنى لما واحد تعبان وبيموت هتسعفه بغنوة؟!»، لكن عبد الوهاب أصر على رأيه بعظمة الفن ،وظل مصطفى محمود غير مقتنع ،وذكره بقول المولى عز وجل» يأيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم «، وهو ما يعنى ان القول السديد أى الحكمة او الكلام الجيد،يختلف عن العمل تماما. و عاش العالم الكبير أياما يفكر فى عمل يخدم الناس حتى يقابل الله وهو « مش مكسوف»، ووجد ضالته فى تأسيس جمعية عام 1975 ثم مسجدا باسم والده، استغرق بناؤه ثلاث سنوات، ولم يكن يملك العظيم مصطفى محمود ما يستطيع به تشييد المشروعات التى كان يحلم بها.. لكن ما إن امتدت يده للبناء حتى امتدت معه آلاف الايدى متبرعة،كل يريد المشاركة،وكانت 70 % من التبرعات من المصريينً و 30% من الاخوة العرب، والمدهش أنه وجد تيسيرات لا حصر لها لإعداد الصروح الطبية والمشروعات والخدمات الهائلة..وكان من بين المتبرعين الفنانة شادية،حيث تبرعت لجمعية محمود بشقة فى ميدان لبنان،وأقام مصطفى محمود احتفالا صغيرا لشادية،وبالطبع دعا اليه صديقه عبد الوهاب..
ودار نفس النقاش السابق حول الفن والكلمة والعمل،وواصل عبد الوهاب اصراره، ويقول مصطفى محمود إن عبد الوهاب كان يحب الله كثيرا وكان يسأل عن الموت ،وعندمال يقال له إنه استدعاء من المولى عز وجل لمقابلته كان يظل يبكى طوال النهار. واستمر محمود فى مشواره الخيرى ليستفيد منه آلاف المرضى والمحتاجين والأيتام والارامل يجدون الملاذ عند جمعية مصطفى محمود،وليس هم فقط..
فمن منا لم يصل صلاة عيد الفطر وعيد الأضحى فى ساحة مسجد محمود …
يا سلام … كنّا لا ننام ليلة العيد ونخرج مبكرا حتى نجد مكانا للصلاة فى هذه الساحة الرائعة، وكأن أمواجا من الرحمة والهدوء النفسى قد عمت ساحة الصلاة، أما الصحف والمجلات فكانت لا تجد مكانا عامرا بآلاف المصلين سوى ساحة مسجد محمود،لتنقلها للعالم أجمع .. نعم استفاد الجميع من أعمال هذا العالم الكبير، الذى لا تستطيع أن تسبق اسمه بوصف « الراحل»، فكيف يكون راحلا بعد كل هذه الإنجازات ..!!؟؟؟؟